الفصل الرابع
الرجل القوي
(( 16 ))
وقعت مدينة الفيحاء وسط مملكة البقاء، إلى الغرب من العاصمة المعتزة. وهي من أقدم المدن
تاريخيا في المملكة، وما جاورها من ممالك. وفي عهد الملوك الضياغم اكتظت الفيحاء بالسكان
إلى حد غير طبيعي، فامتلت بالبنيان وانتشرت فيها الزقق الضيقة وكذا الفقر المدقع، وشاع الفساد
والسرقة والشر فيها، وتعاظم الظلم في أرجائها.
ولطالما حاول ملوك الضياغم السيطرة عليها، ونشر العدل والمن فيها، ولكنهم لطالما فشلوا
في ذلك.
كان ل بد أن يأتي الحل من داخل الفيحاء نفسها، وهذا ما حدث من خلل أحد أبنائها المغيرة.
المغيرة اتسم منذ صغره بالشجاعة وحب الخير وخدمة الناس، ولكن اجتمع مع ذلك في قلبه
الطموح العظيم ورغبته في إثبات نفسه. ولما غدا شابا قرر أن يحل معضلة الظلم المنتشرة في
المدينة.
وقد قرر أن يتخذ قرية شبه مجهولة في ضواحي الفيحاء مركزا له. ثم بدأ دعوة سرية في
الفيحاء، دعا فيها شباب المدينة للنضمام إليه. وكلما وافق أحدهم، أرسله إلى القرية التي اتخذها
مركزا له. وظل الشبان يتجمعون هناك، ولما امتلك المغيرة عددا كافيا من المقاتلين، جعل يغير في
الفيحاء على المجرمين والسارقين، وبدأ بمحاربة الجريمة فيها. وأخذ صيته ينتشر في الفيحاء.
اتسم المغيرة بقوة جسدية كبيرة، ولم يكن أحد يستطيع أن يقارعه في القتال. واتسم كذلك بقوة
شخصيته، وقسوته في الحق.
ومع مرور الوقت، ظل يحارب الجريمة، وظل صيته يزداد حتى عرفه كل أهل الفيحاء.
وبالنهاية، نجح تقريبا في القضاء على الجريمة قضاء كامل.
ولهذا أعجب به كل أهل المدينة. ورغم أنه فعل ذلك لنه يحب الخير، إل أن اتصافه بالطموح
ومحبة إثبات نفسه، جعله يطلب من أهل المدينة جميعا أن يبايعوه عمدة للفيحاء، وقد وافقوا على
ذلك دون أدنى اعتراض.