(( 17 ))
بالقرب من الفيحاء، وجدت مدينة أخرى هي المينية. وفي عهد المغيرة، كان عمدتها هو منيباً.
عرف منيب بالثراء الفاحش. وقد اعتاد على إرسال القوافل التجارية إلى شتى النحاء. وفي إحدى
المرات، انطلقت قافلة له يقودها ابنه الكبر حمدان. وأثناء مسير القافلة أغار عليها قطاع طرق
يقودهم رجل اسمه جازي. فنهبوا القافلة وقتلوا أغلب من فيها، ومنهم حمدان. ولما علم منيب بكل
هذا، حزن حزنا عظيما وتألم ألما لم يشعر به طيلة حياته رغم كبر سنه. لم يكن السبب الرئيس
لحزنه ما ضاع من مال وبضائع وحتى عمال وخيول، ولكن مقتل ابنه الغالي حمدان.
شعر منيب بغيظ هائل ل يمكن احتواؤه، وبات هاجسه الول والخير أن ينتقم من جازي. وقد
أعلن في كل البقاء، أن من يأتيه برأس جازي، سيعطيه جائزة لم يسمع بها إنس ول جان، ولم ير
مثلها أحد منهم.
لقد اتسم منيب بالثراء الشديد، لكنه علم جيدا أنه ل يملك القوة الكافية لقتال جازي الذي امتلك
عددا كبيرا من المقاتلين، والذي شاع أنه ل يوجد في كل البقاء من يضاهيه في قوته الجسدية. لذلك
أيقن منيب أن القصاص منه ل بد وأن يأتي من طرف آخر.
وانتشر الخبر في البقاء بسرعة، حتى أوصله أحد أتباع المغيرة إليه، حين أخبره بكل ما حدث.
تحمس المغيرة للغاية، وتوقع بحدسه أن الجائزة ل بد وأنها مبلغ مهول من المال؛ لن منيباً ثري
جدا.
ولن المغيرة طموح، فقد قرر أن يأتي برأس جازي لمنيب، لنه يريد المال ليحقق مزيدا من
الطموحات.
كلما مر الوقت، ازدادت حماسة المغيرة لقتناص رأس جازي، ومن ورائه اقتناص الجائزة
التي وعد بها منيب.
ومنذ قرر المغيرة أنه سيسعى لذلك، جعل يفكر بعمق وتركيز في خطة محكمة لهزيمة جازي
وقتله، وقد أمضى في التفكير وقتا طويل؛ فغريمه اتسم بالقوة الشديدة، ومجرد قتاله فيه صعوبة
بالغة ومخاطرة كبيرة، فكيف بقتله؟! وفي النهاية المطاف توصل إلى خطة محكمة ذكية لفعل ذلك.
قرر المغيرة الذهاب لزيارة منيب، فقد أراد أن يتعرف عليه أكثر، وأن يتأكد أن مسألة الجائزة
أمر جدي، وليس مجرد كلم ناس عابر، ذَكَرَه أحدهم كذبا فانتشر في كل مكان.