laithtaher
(LAITHTAHER)
#1
وبهذا لم يتبقَ من عائلة الهيثم، سوى أرملته سوسن، وابنه سليم ذي الثمانية أعوام، وابنتيه. وبعد
الحرب المقيتة، ومقتل الهيثم، هربت سوسن بأبنائها الثلثة، خوفا من بطش ملكي ياقوتة والهيجاء
ومرض قلبيهما.
استقرت سوسن ومن تبقى من عائلتها في قرية صغيرة نائية تقع حول مدينة اسمها الغراء في
جنوب البقاء. وقد خافت كثيرا على ابنها سليم؛ فهو أهم ما تبقى بحياتها بعد كل ما خسرته. ولهذا
دللته كثيرا، وجعلته يعتزل الناس حتى ل يعلم أحد بمكان وجوده. وقد نجحت في ذلك؛ فقد علم كل
أهل البقاء بوجود ابنٍ للهيثم، لم يزل على قيد الحياة، لكن جلهم لم يعرف بمكان وجوده.
ومع مرور اليام، وزيادة عمر سليم، امتاز بالضعف؛ وذلك لنه تربى على يدي امرأة دون
وجود رجل في حياته، ل سيما مع تدليلها المفرط له، وأيضا لعتزاله الناس.
ولن أول قدوة لغلب البشر هو والد كل واحد منهم، نظر سليم إلى الحياة وإلى المستقبل من
خلل والده. وبما أن الهيثم كان رجل عظيما جدا، طمح سليم لن يصبح مثله وأن يحقق مثل الذي
حققه وربما أكثر، لم ل؟! وبعد أن كبر سليم – بعد أن ظلت أمه تحدثه باستمرار عن بطولت أبيه
– بدأ الفتى يحلم ويطمح.
وذات يوم، وبينما جلس سليم وسوسن في كوخهما البائس، قال سليم بصوته الناعم الرقيق: أمي،
أنا أشعر بملل شديد.
عبست الم وهي تسمع هذه الكلمات، وردت: لم، يا بني؟! هل أصابك أي مكروه؟!
"ل" أجاب بصوته الناعم، وأَضاف: لكنني سئمت هذه الحياة التي نعيشها، سئمت الفقر
والبؤس... والجبن... نعم، إلمَ سنظل نعيش هنا هاربين جبناء؟! كيف أفعل هذا وأنا ابن القائد
العظيم الهيثم؟! أنا رجل ولست امرأة تخاف القتال!
"سليم" قالت سوسن بحزم، وأضافت بالحزم نفسه: إياك أن تكرر هذا الكلم، أبوك كان شجاعا
نعم، لكن إلى أين قادته شجاعته؟! وإلى أين قادتنا نحن؟! كل ما نحن فيه بسبب تلك الشجاعة.
عليك أن تكون واقعيا وترضى بما نحن فيه؛ لنك إذا طمعت فسيسوء وضعك أكثر وأكثر، وغالبا
ستلقي حتفك.
فقال الصبي بصوت رقيق: لكن –يا أمي – أنا دوما ما أحلم بالمدن الكبيرة، أحاول أن أتصور
شكلها، وأشكال أهلها، وما بها من أشياء. مخيلتي تعذبني، لنها تشوق قلبي لمعرفة كل هذا. أريد
العيش في مدينة كبيرة، في بيت مريح... ل أريد أن أظل في هذا الكوخ البائس.
صرخت سوسن بحزم وغضب: كفى، يا سليم.
فنظر الصبي - الذي اتسم بالضعف والخوف من أمه - إلى الرض.