رواية الزبير يجب أن يقتل

(LAITHTAHER) #1

وعندما كان عمر الزبيراثني عشر عاما، قُتل والده رؤبة في إحدى المعارك التي خاضتها قبيلة


السد مع إحدى القبائل المجاورة، المر الذي ترك أثرا كبيرا – لحقا- على الزبير.


وفي بيت العزاء، اجتمع رجال السد، ورجال سائر القبائل الخاضعة للشيخ عامر، لداء


واجب العزاء.


ما انفك الزبير يبكي منذ علمه بنبإ مقتل والده رؤبة، غير أنه تعمد أن يتماسك أمام أي أحد آخر،


وكبت دموعه في دار العزاء.


وفي المساء، نادى الشيخ عامر حفيده الزبير - الذي أحس الشيخ بحزنه العارم طيلة يوم العزاء


- وأخاه دريدا. جلس الشيخ على كرسي مصنوع من الخشب الفاخر، ووُجد في الغرفة كراسي


أخرى وطاولت مصنوعة من الخشب الفاخر كذلك. فرغم أن السد أهل صحراء، إل أن الشيخ


عامرا وقبيلته اتسموا بالغنى الشديد، ل سيما مع ما جمعه الشيخ عامر من غنائم من معاركه ضد


القبائل، مما جعلهم يعيشون في رفاه نسبي عن باقي بدو الكثبة.


كان الشيخ في الستين من عمره، قوي البنية مفتول العضلت رغم تقدم سنه، وله شعر أبيض


كثيف غطى رأسه، وله شارب كثيف أبيض مهذب وأنيق، ولحية طويلة بيضاء مهذبة وأنيقة.


قال الشيخ: ما بالك، أيها الزبير؟!


فأجهش الطفل بالبكاء.


ودريد رغم حزنه الشديد على أبيه، ورغم أنه بكى سرا، إل أنه علم أنه إذا بكى أمام جده، أو


أظهر أية علمة ضعف، فسينال عقابا وخيما من الجد القاسي.


وعلى عكس المتوقع، وبدل أن يحنو الشيخ على حفيده الطفل، لطمه لطمة مدوية على وجهه،


لن ينساها الزبير ما عاش، وقال الشيخ: اخرس، أيها الضعيف... أتبكي كالنساء؟!


عندها توقف الزبير عن البكاء، وتمالك نفسه، وتلك اللطمة شكلت أحد أهم الحداث في حياة


الزبير، والتي بنت شخصيته القاسية القوية العنيفة لحقا.


ثم أمسك الشيخ الزبير من كتفيه، وقال: أيها الزبير، الحياة ليست مكانا سهل، ول بد فيها من


التضحيات... وأبوك هو ابني وهو أغلى الناس على قلبي في العالمين، ل سيما وأنه ابني الوحيد


من الذكور... وأنت وأخوك دريد – بعد رحيله – بتما أغلى الناس على قلبي دون منافس...


وأعدكما أنني سأحميكما من أي شيء، حتى لو اتحد العالم كله ضدكما، فإني حاميكما... تذكرا هذا


جيدا.


وبالفعل أحب الشيخ حفيديه هذين بالتحديد حبا جما؛ فدريد هو أكبر حفدته والذي سيخلفه يوما ما


شيخا للسد وسائر القبائل، ولنهما حفيداه الذكران الوحيدان من ابنه الذكر الوحيد.


ما لم يعلمه الطفلن، أن وراء القسوة التي ظهرت على جدهما في تلك اللحظات، قبع حزن


عارم وقلب مكسور؛ لن الشيخ فقد أغلى الناس على قلبه، ولنه لم نفسه بأنه السبب في ذلك؛


فمعاركه التي بدأ بها هي التي أودت بحياة ابنه.


***

Free download pdf