(( 29 ))
بعد زمن ليس بطويل، بدأ الزبير بتنفيذ وعوده لمن ساعدوه في الثورة وفي إنجاحها. وقد طلب
من الملك عدة طلبات، وافق الخير عليها جميعا. فأعلن الملك المغيرة أميرا على مدينة الفيحاء،
ومنحها حكما ذاتيا فيما يخص الشؤون الداخلية، وأعفاها من الضرائب إعفاء كامل. وكذلك
خصص الملك نصف عشر بيت مال الدولة لمين لمدة عشر سنوات قادمة تكريما له. شكل ذلك
مبلغا هائل جدا، لكن أمينا استحق كل هذا التكريم وأكثر بنظر الزبير والملك. أما سليم، فقد أعاد
الملك له قصر والده الهيثم ليسكن فيه هو وأمه وأختاه. ولحقا أعلن الملك أمينا وسليما والزبير
أمراءَ، ولم يكتف بذلك بل منح لقب المارة لعوائلهم وعوائل المغيرة، فبات المغيرة وأمين وسليم
وحورية وسمية والزبير يعرفون جميعا لدى العامة بأمراء الثورة.
كل هذه الطلبات تمت بإيعاز من الزبير. مما أفرح أمراء الثورة فرحة عارمة. وجعل الزبير
ينطلق جوادا سريعا في مضمار محبتهم له في قلوبهم.
بعد مدة أرسل الملك قصي في طلب الوزير الول الزبير. أتى الزبير إلى قاعة في قصر
الضيغم، حيث جلس الملك في نهاية القاعة بينما امتلت القاعة بالحرس والخدم. حيا الزبير الملك
الذي جلس على كرسي المُلك، ثم جلس على أحد الكراسي الفاخرة التي انتشرت يمينا ويسارا على
جانبي الملك. وضع أحد الخدم صحنا كبيرا من الفاكهة الشهية على طاولة صغيرة أمام الزبير، كما
وضع كأسا كبيرة من العصير اللذيذ أمامه. وكان أمام الملك طاولة مماثلة عليها صحن وكأس
مماثلين.
تناول الملك تفاحة وقضمها، ثم قال للزبير: تناول مما أمامك.
فشرع الزبير يقشر برتقالة. لم تعد الرسميات تحجز بين الزبير والملك، فقد باتا بالفعل أباً وابنا.
ثم قال الملك: أيها الزبير، إنني لشعر – وشعوري بالعادة ل يخطئ – أنني لم أكرمك بما فيه
الكفاية، وأن سائر أمراء الثورة كرموا أكثر منك، رغم أنك الهم والجدى بالتكريم، فأنت صاحب
فكرة الثورة، وأنت العنصر الهم في إنجاحها. وأرى أنك آثرتهم على نفسهم في طلباتك مني
لتكريمهم، في حين نسيت نفسك.
أيها الزبير، أخبرني بأي شيء يمكنني أن أفعله لمكافأتك.
ابتسم الزبير فرحا بكلم الملك، وقال بهدوئه ورزانته المعهودين: مولي، لقد أكرمتني أفضل
تكريم، فقد عينتني الوزير الول، وأمددتني بالمال أنا وقومي. مولي، أنا وأهل الكثبة ل يهمنا
شيء ما دام الملك وأهله بأتم حال.