(( 3 ))
استمر الشيخ عامر بالسيطرة على قبائل الكثبة الواحدة تلو الخرى، سواء أكان ذلك طوعا أو
كرها. وحافظ على أسلوبه؛ فكلما خضعت قبيلة له أنفق عليها من ماله، ل سيما من ينضم إليه من
فرسانها، وكذلك تعهد بحمايتها من أي اعتداء. وهكذا أصبح أهل هذه القبائل يحبونه ويقاتلون في
صفوفه بولء تام. واستمرت مشاركة الزبير في المعارك، وكما مر الوقت زاد إبداعه في القتال
وزاد لمعانه، كما أنه أظهر للناس –إلى جانب شراسته في القتال- حكمة ورأيا سديدا. وبعد مرور
الزمن، بات في نظر أهل الكثبة ثاني أهم رجل فيها بعد الشيخ عامر. وبعد سنوات غدا الشيخ عامر
شيخا لكل قبائل الكثبة على بكرة أبيها، وأصبح الملك غير المتوج للصحراء التي لطالما كانت
متمردة وعصية على أي رجل ابتغى أن يٌخضعها لسلطانه.
لقد تبعت صحراء الكثبة لمملكة البقاء، وكان ملكها في ذلك الزمان الملك هزبرا. ولما سيطر
الشيخ عامر على الكثبة برمتها، أعلن ولءه للملك هزبر. ويعود ذلك لسباب عدة؛ فقد أحب الشيخ
عامر الملك وأكن له كل الحترام كجل أهل البقاء؛ فقد كان ملكا عادل، وقد أنفق العطايا بسخاء
على شعبه، إذ اتسمت المملكة بالغنى وعاش أهلها برفاهية عظيمة حسدها أهل الممالك الخرى.
كما أن أهل البقاء لطالما تفاخروا بأسرة الضياغم أسرة الملك هزبر، الذين اتسموا بالقوة والشدة
ضد أعدائهم، ولطالما أذاقوهم المر إذا تجرؤوا وهاجموا البقاء.
ولن الشيخ طموح جدا، فقد لحت في باله كثيراً من المرات فكرة أن يتمرد على الملك،
ويستقل بصحراء الكثبة فتصبح مملكة مستقلة عن البقاء. لطالما لمعت في سماء مخليته نجم فكرة
أن يكون ملكا على رأسه تاج، لكنه دائما ما كان يئد تلك الفكرة في مهدها. فصحراء الكثبة رغم
اتساعها كانت صغيرة جدا مقارنة بمملكة البقاء الشاسعة. فقد احتوى جيش الملك هزبر من الجنود
والعتاد عشرات أضعاف ما لدى الشيخ عامر.
وفرضا، لو تمكن الشيخ عامر – بطريقة ما – أن يهزم الملك ويعلن الكثبة مملكة مستقلة،
فستصبح عندها الكثبة هدفا سهل لملوك مملكة الهيجاء التي وقعت على الحدود الغربية لصحراء
الكثبة. فالمر الذي لطالما منع ملوك الهيجاء من مهاجمة الكثبة، هو أنها خاضعة لملوك البقاء
الشداء، الذين خشي بطشَهم ملوك الهيجاء.
وقد علم الشيخ أن إعلنه الولء للملك سيغدق عليه أموال لم يرها في حياته، وسيعيش بذلك في
رفاه، وستساعده هذه الموال في بسط مزيد من السيطرة على أهل الكثبة، وسيزيد ولؤهم له
عندما يصرف هذا المال عليهم.