laithtaher
(LAITHTAHER)
#1
وبعد مرور الزمن، طفق كثير من فرسان الكثبة يفرون من أرض المعركة؛ فالهزيمة كانت
محتومة ول أمل بالنصر على الطلق.
بيد أن الشيخ عامرا، وحفيديه الزبير ودريدا ظلوا ثابتين في أرض المعركة.
ومر الزمن، ولم يبق من فرسان الكثبة سوى المئات، في حين لم يخسر فيلق الهيجاء سوى
المئات من جنوده.
في تلك اللحظات أدرك الشيخ عامر أنها النهاية، جيش الكثبة العظيم هذا الذي بناه على مدى
السنوات الطويلة الشاقة، انهار في معركة واحدة.
لقد خسر كل شيء، لم يعد للحياة قيمة، لكن هنالك شيء وحيد ظل لم يخسره بعد أل وهو
كرامته، وإذا فر من أرض المعركة فسيخسره وستتحول حياته إلى شقاء، لذا قرر أن يقاتل حتى
يُقْتَلَ.
اقتحم الشيخ صفوف فيلق الهيجاء، وتوغل باتجاههم، كمن يمشي نحو الموت بقدميه.
لحظ الزبير هذا، وأيقن في تلك اللحظة مدى عظمة جده، وأنه أشجع منه بمئات المرات.
لما رأى الزبير جده يتوغل باتجاه صفوف مقاتلي الهيجاء، صرخ: جدي، عد، أرجوك، عد. ل
أمل في النتصار عليهم. عد يا جدي.
سمع الشيخ صراخ حفيده، وقد عرف الزبير ذلك، لكن الشيخ تجاهله، وظل يتوغل باتجاه
أعدائه. وقد كان الشيخ في تلك الثناء يقتل خصومه وهو على جواده.
صرخ الزبير: جدي، أرجوك، نحن نحتاجك... أنا أحتاجك.
لكن الشيخ تجاهل صوت ابنه، وظل يتوغل، وبينما هو يفعل ذلك، تجمع حوله خمسة مقاتلين،
فقتل الشيخ واحدا منهم، غير أن واحدا آخر طعنه في ظهره. وهكذا كانت تلك اللحظات الخيرة في
حياة القائد المقدام.
شاهد الزبير كل هذا، وكانت هذه اللحظات هي القسى والكثر إيلما مما مر من حياته ومما
سيمر. سالت دموعه وأحس أن ألم الكون كله يتجمع في جسده.
جده هو قدوته التي لطالما أراد أن يصير مثلها بل أن يتفوق عليها في يوم من اليام، لكنه أدرك
حينها أنه من المستحيل أن يصل - حتى لو عاش ألف ألف عام - لشجاعة جده البطل.
انهار الزبير، وفجأة اقترب منه أخوه دريد، وأمسك به من ذراعه، وصرخ: هيا، أيها الزبير،
علينا أن نرحل وننجو بحياتنا قبل أن نقتل.
"الرحيل" هي الكلمة التي اختارها دريد، لكنها كانت تعني الفرار والجبن لدى الزبير.