laithtaher
(LAITHTAHER)
#1
جلس الزبير على الرض مسندا ظهره إلى إحدى شجرات الغابة، وهو مطأطئ رأسه في
الرض حزنا.
نظر قيس إليه بحزن، وشفقة لم يشعر بهما تجاهه في حياته كلها، سوى في مرات معدودة على
الصابع.
"لماذا دمعت عيناي؟ هذا ما تريد أن تسألني إياه" قال الزبير قول يثبت ذكاءه وفطنته
وحضوره.
التزم قيس الصمت وأومأ برأسه مؤكدا صحة كلم الزبير.
فقال الزبير: صحيح أنني حزنت على صديقي المغيرة، وأنني دمرته، وحزنت أكثر على
الطفلين اللذين أحبهما كما لو كانا ابنيّ وأكثر... ولكن ليس هذا السبب.
استغرب قيس وسأل متعجبا: ما هو، إذاً؟!
فأجاب الزبير: الشعور بالذنب... وهو أمر ل مثيل له. لقد فصلت الطفلين عن أبيهما دون ذنب
له، أو لهما... هذا – لعمري – أسوأ شيء فعلته في حياتي... أسوأ حتى من قتلي للملك الهارب
والملكة.
تنهد الزبير بشجن وأتبع: عندما فصلني الموت عن جدي – الذي كان أبي الحقيقي – وخطفه
مني، كان ذلك أسوأ ما حدث في حياتي. ومرت اليام والسنون، والن أنا أفعل الشيء ذاته - الذي
فعله الموت معي – مع طفلين لم يقترفا تجاهي أي خطأ أو ذنب، ومع أب لطالما كان خير صديق
ومعين.
لم يجد قيس ما يقوله ليخفف عن الزبير، حتى قال: ولكن أنت لم تفعل ذلك وفق رغبتك، وإنما
وفق رغبة حورية.
فقال الزبير فورا: حتى مع ذلك، كان ل بد وأن أرفض.
فقال قيس: الحياة ل بد فيها من التضحيات.
فرد الزبير: أتخبرني بهذا، يا قيس، وأنا من وضع هذه القاعدة أساسا؟!
ثم نظر في الرض حزنا.
تلك اللحظة شكلت اللحظة الثالثة والخيرة، في حياة الزبير كلها، التي شعر فيها قيس بضعفه.
الولى كانت بعد مقتل جده، والثانية بعد وفاة أخيه.
وقد أدرك قيس جيدا، في تلك اللحظة أن الزبير – رغم أنه ملك ويمتلك كل ما في الرض،
ويجب أن يكون أسعد الناس – بداخله حزن عميق ل مثيل لها، وما زال الطفل الفتي الحزين يعيش
بداخله منذ مقتل جده. واستغرب قيس من الهشاشة التي أخفاها الزبير الذي دوما ما تظهر عليه