laithtaher
(LAITHTAHER)
#1
وأمضى الزبير معظم وقته منذ ولدة روان ثم عامر، بمداعبتهما واللعب معهما والجلوس
معهما.
لقد اتسم الطفلن بالجمال الشديد، الذي ورثا مظاهره من أمهما حورية، لكن نظرتهما الحادة
وقوتهما وشراستهما ورثاها – بالتأكيد - من أبيهما الزبير.
ظهرت علمات الفرحة واضحة على محيا الزبير في عصر ذلك اليوم، لكن منظر الورود
الجميل وألوانها المتعددة، وتظاهر الزبير بالسعادة، كل هذا لم ينسه كل تلك الحزان وعلى رأسها
فقدانه لحب حياته والمرأة الوحيدة التي أحبها في عمره، سمية. ففي كل ليلة منذ أهدته الخنجر،
اختبأ الزبير في إحدى غرف القصر، وهو يمسك خنجرها ويقلبه وينظر إليه بتمعن وينظر إلى
السماء – من الشرفة – ونجومها وقمرها، ويتذكر عندما يرى القمر وجه سمية وتفاصيله ونعومتها
ورقتها وطيبتها وجمال شخصيتها، وفي كل ليلة تمنى لو أنه معها حتى لو كلفه هذا أن يتخلى عن
كل شيء بما في ذلك المُلْكُ. وبعد أن فقد المل، ما انفك يتمنى أن يراها ولو مرة أخيرة في حياته.
لكن المنيات شيء والواقع شيء آخر. ولكن في كل ليلة في جلسة العشق والهيام تلك، سرعان ما
يشوب هذه الذكريات الجميلة العذبة، ذكرى إهانتها له وشتمها ولطمها له وبصقتها في وجهه،
وكثيرا ما تلمس أجزاء وجهه حيث لطمته وبزقت عليه.
سمية هذه التي فكر بها الزبير طيلة الوقت، قضت السنوات الحدى عشرة في عذاب وألم لم
يعرف مثلهما أحد في تاريخ البقاء كله، وهي تتذكر زوجها وحبيبها أمينا، وكيف غدر به الزبير –
على حد ظنها – رغم أن المعلن هو أن قطاع الطرق هم من قتلوا زوجها في الهيجاء. ما انفكت
دوما تتمنى النتقام ولطالما تحمست للبدء به، لكن – في كل مرة – سرعان ما وأدت الفكرة، حين
تتذكر أن ذلك مستحيل؛ فهي ل تملك جيشا يهزم جيش الزبير ول عيونا منتشرين في كل مكان
كعيونه ول مُلْكا كملكه. هي فقط تملك مبلغا هائل من المال ورثته من أمين، والزبير يملك مال
كثيرا كذلك. وفق كل هذه الظروف، أنى لها أن تنتقم منه؟! كانت الواقعية دوما تقتل الحماسة
والرغبة الجامحة في النتقام داخلها.
لم تكن سمية الضحية الوحيدة، فأمراء الثورة كلهم ذاقوا من طعنات خنجر الزبير. فذلك المير
ريان قضى السنوات الحدى عشرة نفسها في ألم وحزن وغضب في القدماء، البعيدة جدا عن
أرض ملكه الذي سُلِب منه في البقاء. فقد قضى هذه السنوات في قلة نوم وأرق وسهر، وقلة أكل
حتى هزل جسمه الذي كان مفتول العضلت – ذات يوم –. وكان دوما حزينا، قليل ما يحادث أحدا
بما في ذلك زوجته وأبناؤه وصديقه عماد، وحتى سلطان القدماء الذي لطالما زاره وحاول التخفيف
عنه.
وضحية أخرى هي المغيرة، الذي طعنه الزبير في عِرضه، وسلب منه أهم شيء في حياته،
أبناءَه، رغم أن الزبير جعله يلتقيهما بين الحين والخر، ولكن سرا دون علم حورية، حتى بعد أن
كسر نفسيتها من الداخل؛ لن الزبير ل يحب كسر كلمته. فظل المغيرة يسكر، وانتقل من حانة إلى
أخرى، فلم يترك حانة في الفيحاء إل وثمل فيها. وبات يأكل كثيرا وينام كثيرا، وغدا مع مرور
الوقت أسمن وأسمن، وأمسى ضعيفا في القتال.