laithtaher
(LAITHTAHER)
#1
بعدها وقعت الحرب بين جيش البقاء وجيش ياقوتة، وانتصر جيش ياقوتة انتصارا مؤزرا،
وقتل ما يقرب نصف جيش البقاء الذاهب إلى الحرب، وهرب النصف الخر وتشتتوا في البلد،
وقُتل القائد الهيثم الباسل الذي ظل يقاتل لخر لحظة وهو يذود عن البقاء. وتبع ذلك احتلل معظم
أراضي البقاء من قبل ملك ياقوتة وملك الهيجاء، باستثناء أجزاء بسيطة امتازت بالوعورة وشدة
بأس أهلها، ومن بينها جبال اليبس. وأطلق أهل البقاء على هذه الحرب اسم الحرب المقيتة.
تتالت هذه النباء على الملك قصي، وكل مرة سمع فيها نبأ مات جزء من قلبه، حتى تلقى
الطعنة الخيرة باحتلل جل البقاء من قبل ملكي ياقوتة والهيجاء. حزن على صديقه الهيثم، وعلى
المعتزة، وشعبه، وبلده، وحزن على ذكرياته، وباتت حياته كالجحيم. لكنه امتاز بالشدة والقدام
والصبر، وقرر أن يتماسك وأن يقاتل حتى اللحظة الخيرة من حياته، لعل يوما ما يأتي تشرق فيه
شمس البقاء من جديد، وتتحرر من رجس احتلل أعدائها، رغم أنه أحس في كثير من الحيان أن
هذا مستحيل بعدما حدث لجيش البقاء.
وبمرور الوقت ظل أتباع الملك يتجمعون في جبال اليبس، حتى تجمع عدد كبير منهم وباتوا
يشكلون مع أهل الجبال الصليين وأهل ما يحيط بها من مناطق قوة تذود بأرواح أفرادها عن حياة
الملك الهارب.
***
كان الملك قصي قد اصطحب معه رجل من حرس عمه الملك هزبر، يدعى جاسماً، منذ لحظة
مغاردته للمعتزة. ومنذ لحظة اصطحابه له، استلم جاسم مهمة حماية الملك قصي وأهله. وبعد
تجمع أقارب الملك وأتباعه ومناصريه في جبال اليبس، بات هؤلء يعرفون بقوة حماية الملك،
وعين الملك جاسما قائدا عليهم. لقد اختاره الملك؛ لنه وثق به ثقة عمياء، ولنه رجل اتسم بالقوة
والشدة والوفاء إضافة إلى الذكاء وحسن التدبير. وقد أحبه الملك المثنى أبو الملك قصي وقربه إليه
ووثق به، مما شجع الملك قصيا على اختياره لهذه المهمة.
لم يهدإ الملك خلدون ول حليفه ملك الهيجاء على الطلق، منذ علموا بأن أحد أفراد آل
الضياغم – أل وهو قصي – ما زال حيا. وأرادوا رأسه بأي ثمن؛ ليقضوا على أي بصيص أمل
لعودة ملوك الضياغم لتحرير البقاء وحكمها من جديد، رغم أن بصيص المل هذا كان ضئيل
جدا، بعد انهيار جيش البقاء والمجزرة التي ارتكبت بملوك الضياغم.
وقد بحث الملكان بحثا دؤوبا ملؤه الجدية بل ملل ول كلل عن الملك الهارب، وأرسلوا الجنود
وبثوا العيون في كل مكان، لكنهم لم يجدوا له أثرا؛ لكأنه ملح ذاب في بحر واسع.
ولكن ومع مرور الوقت، منذ هروب الملك قصي إلى جبال اليبس، شرعت الشائعات تظهر بأنه
موجود هناك. وقد انتشرت الشاعات حتى بلغت مسمع الملكين العدوين. فبثوا عددا هائل من
العيون في المناطق المحيطة بجبال اليبس، ليتوثقوا من الخبر. وكان بعض هذه العيون من أهل
البقاء؛ فلطالما أثبت التاريخ أن المال بإمكانه أن يغري كثيرا من النام لخيانة أوطانهم. وبعد مرور