(( 27 ))
كالعادة كان قيس من أكثر من يراهم الزبير، وقد تحادثا باستمرار. وحدث أن التقى قيس بالزبير،
قبل خمسة أيام من الحرب ضد الهيجاء، فوجده متوترا، ورأى عينيه المنتفختين من قلة النوم، فقال:
أخيرا سنثأر لشيخنا جدك. أخيرا، أيها الزبير، ستنطفئ النار التي في قلبك. لكن في هذه اليام عليك
أن تضرمها أقضى إضرام؛ حتى تحرق بها الملك الظالم.
ولكنه سرعان ما أضاف: لكن في الوقت ذاته عليك أن تنام جيدا، وأن ترتاح، فما تعتزم فعله
يحتاج قوة جسدية هائلة.
إل أن الزبير وعلى العكس من نصيحة صديقه قيس، لم ينم ولو هنيهة واحدة في الليلة التي
سبقت الحرب ضد جيش الهيجاء. فالخوف من الفشل في الثأر من الملك ميمون أو من أن يقتله
مقاتل آخر غير الزبير منعه من النوم. وظل قلقا طيلة الليل من أن يضعفه السهر، فل يتمكن من
القتصاص لجده. لكن رغم التعب الجسدي الشديد، نهض صبيحة اليوم التالي ليتهيأ للحرب؛
فالرادة ونار النتقام بداخله محوا كل أثر للتعب الجسدي، وأحس في تلك اللحظات أنها أكثر
لحظات في حياته على الطلق من حيث قوته الجسدية.
سار جيش البقاء للقاء جيش الهيجاء، في وقت أيقن فيه الزبير بالنصر لسباب كثيرة، أهمها
الحافز لدى ثوار البقاء، ل سيما أن هذا هو خيارهم الوحيد لعادة مملكتهم، على العكس من جيش
الهيجاء الذي يقاتل من أجل أرض ليست جزءا من بلده أصل.
وبعد اتفاق الزبير مع الملك قصي على ترك الملك ميمون للول لقتله، تم التعميم على كل
مقاتلي البقاء – ومنهم مقاتلو الكثبة وفرقة الزنوج – بذلك.
قاد جيشَ الهيجاء ملكُهم ميمون، بينما قاد جيشَ البقاء الملكُ قصي، وحضر ابنه المير ريان،
والعمداء الثلثة صلح والمعتصم وبهاء، والمغيرة، وجاسم والزبير. وضم الجيش سليما وأمينا
اللذين اعتزما عدم المشاركة في القتال تنفيذا لوامر الزبير، وأحاط كل منهما عدد ل بأس به من
فرقة الزنوج لحماية حياتهما.
لبس مقاتلو الهيجاء لباسهم المعروف عنهم السود في معظمه ويتخلله اللون الذهبي، وحملوا
الترس. أما الفرقة الذهبية والملك ميمون فلبسوا لباسا خاصا يتكون في معظمه من اللون الذهبي
ويتخلله اللون السود، وقد صنعت ترسهم ومقابض سيوفهم وأغمادها من الذهب الخالص. أما
جنود البقاء، فقد لبسوا زيهم المعروف البنفسجي في معظمه ويتخلله اللون السود.
الملك ميمون كان طويل جدا عريض المنكبين مفتول العضلت، أزرق العينين، بينما غطى
شعر أشقر خفيف رأسه، وكان له لحية وشارب أشقران خفيفان، كل هذا جعل الرجل قمة في
الوسامة.