(( 32 ))
476 *العام
" لقد مللت من تكرار هذه المسألة معك، أهذا آخر كلمك، يا دريد؟" هذا ما قاله الزبير لخيه
دريد، في آخر مرة يصر فيها عليه بأن يسمح بتنفيذ خطته الضخمة لتحرير البقاء.
ولكن أخاه رفض من جديد ومن جديد ومن جديد، ومع الضغوط الهائلة من الجميع وأكثرهم
صديقه قيس، ول سيما ضغط عقله عليه، بات الزبير يعيش في ضائقة وبات سجين الصراع في
عقله، وتوجب فعل شيء للتخلص من هذا العذاب والصراع الداخليين.
وفي مساء أحد اليام توجه الزبير إلى دار دريد، ودعاه إلى مأدبة عنده في عصر اليوم التالي،
فوافق دريد.
وفي اليوم التالي أتى دريد لدار أخيه الذي استقبله بترحاب عارم.
وجلس الثنان في غرفة الضيوف على البسطة المفروشة على الرض، وتحادثا أحاديث
عادية. ومنذ مقدم دريد علت علمات الحزن والكآبة وجه الزبير، فسأله دريد: ما المر، أيها
الزبير؟! أحس أنك غير سعيد!
ارتبك الزبير، ثم استجمع قواه وأجاب بحزم: ل عليك، يا دريد. ل يوجد أي خطب.
وبعد مدة جلب الخادم إناء كبيرا مليئا بالرز واللحم، فدعا الزبير أخاه للبدء بالكل ففعل ثم تبعه
في ذلك.
جعل الزبير ينظر إلى أخيه بحزن عميق؛ وكأنه يشاهده يضرب أو حتى يقتل من قبل أحدهم.
وبدأ الزبير يأكل ببطء وكأنه يأكل رغما عنه. لم يفهم دريد ماذا يحدث لخيه؛ لكنه تناسى المر؛
فلم يرد أن يزعج أخاه بالمزيد من السئلة عن حاله وسبب حزنه.
وحالما فرغ الثنان من تناول الطعام أتى الخادم وأزال الناء ونظف المكان، وفورا استأذن
الزبير من أخيه ودخل إلى غرفته وأخرج قارورة صغيرة بها سائل، فشرب السائل بسرعة ثم عاد
إلى غرفة الضيوف ليجلس مع أخيه.
ذلك السائل لم يكن إل مضادا للسم الذي دسه الزبير في المأدبة التي أكل منها هو والهم أخوه!
نعم، فالزبير تفكر وتفكر وتفكر في حل للمشكلة بينه وبين أخيه الذي ما فتئ يرفض تنفيذ خطته،
ولم يجد أفضل من قتل أخيه، لكن بالسم ودون أن يعلم أحد. كان ذلك شيئا قذرا! خل من المروءة
والشجاعة والشهامة، ل سيما أنه تجاه أخيه! امتل بالخيانة والغدر! امتل بكل ما يتناقض والرجولة