laithtaher
(LAITHTAHER)
#1
***
تضايق المغيرة كثيرا من كلم صاحبه، الذي دعاه لنسيان حورية. لطالما شعر المغيرة أنه رجل
عظيم جدا، بل من أعظم الرجال، فقد اتسم بصفات ل مثيل لها، وحقق إنجازات في حياته ل يحققها
إل البطال وكل ذلك رغم ظروفه الصعبة والمزرية في صغره. وقد عزز نظرته هذه لنفسه،
معاملة كل من حوله له بتعظيم وتوقير بعد كل ما فعله في الفيحاء. لهذا كله ساءه كلم صاحبه
كثيرا، فقد دخل في صراع نفسي هل هو عظيم كما نظر دوما إلى نفسه أم ل؟! لول مرة في حياته
أحس بضعف وباختلل في احترامه لنفسه. وقد ازداد هذا الصراع ضراوة كلما تذكر جاذبية
حورية وسحرها وثقتها بنفسها.
كان ل بد من شخص يثق به يخبره بالحقيقة ويجيب عن تساؤلته، ومن خير من القطش ليفعل
ذلك؟!
منذ شبابه عاش القطش في قمة الفقر والكدح. وبعد سنوات من تنصيب المغيرة قائدا للفيحاء
بأكملها، غدا رجل ثريا ميسور الحال، فعرض على القطش أن يعطيه المال الكثير، لكن الخير
رفض، فألح المغيرة كثيرا ولفترة طويلة، لكنه استسلم في النهاية بعد أن وجد رفض القطش سدا
منيعا ل يمكن هدمه، فقد أخبره أنه زاهد في الحياة وفي المال، وأن شهوات الدنيا كلها ل تؤثر به.
توجه المغيرة إلى الحي الذي ولد فيه وعاش فيه طفولته، وبالتحديد إلى دار صغيرة جدا سكنها
القطش. ولما مر بالحي، تجمع الناس لتحيته، فحياهم جميعا من أصغرهم إلى أكبرهم، ومن أقلهم
منزلة إلى أعظمهم، بتواضعه المعهود عنه.
ثم طرق على باب دار القطش، فسمع صوت أقدام وعصا تضرب الرض تتجه ببطء نحو
الباب، ثم فُتِح الباب.
وجد المغيرة رجل عجوزا يربط عصبة على عينيه وحول رأسه، أصلع يخلو وجهه نهائيا من
الشعر وتنتشر في كل أرجائه التجاعيد. كان طويل منحني الظهر نحيل جدا.
كان هذا هو القطش الذي ظل نظره يضعف مع مرور السنين الكثيرة حتى أصيب بالعمى، أما
نحوله فسببه قلة أكله وشربه، الذي كان دافعه زهده في كل شيء منذ صغره.
"كيف حالك، يا أستاذي؟" قال المغيرة.
"بأتم حال، أيها المغيرة." أجاب القطش، وأضاف: طمني أيها البطل، عنك.
لقد برع ومنذ زمن طويل في تحميس المغيرة ورفع معنوياته هو وسائر الطفال الذين علمهم،
ولذلك خاطبه بالبطل.
التزم المغيرة الصمت، فعلم القطش بحكمته أن هنالك خطبا ما.
هز رأسه وقال: أنت لست على ما يرام. ثم وضع يده على كتف طالبه النجيب، وقال: ادخل،
ودعنا نتحادث.