laithtaher
(LAITHTAHER)
#1
"... وأخيرا أتى هذا اليوم العظيم، اليوم الذي يجزى فيه كل رجل بما يستحقه..." قال قيس
بصوت جهوري عال وهو يخطب في الحضور.
وفي هذه الثناء وقف الزبير وهو يعلو قيسا بدرجتين، وهو يرفع رأسه وينظر إلى السماء نحو
القمة وهو يحدق بعينين حادتين قاسيتين، بينما علت التعابير القاسية وجهه، وهو يمط شفتيه
الغليظتين للمام.
وظل هكذا بينما أكمل قيس خطاب التتويج: اليوم الذي يجزى فيه أهل الكثبة على مجهوداتهم
الجبارة وأفكارهم النيرة التي قادت إلى تحرير البقاء بأكملها، والهم من كل هذا أن فخرهم
وصاحب هذه الفكار وقائد هذه المجهودات، ابنهم وقائدهم الزبير يلقى اليوم الجائزة التي يستحقها.
الزبير أعظم رجل في الرض، وهو الفضل لقيادة المملكة وهو الفضل للناس، ويستحق أن يتوج
ملكا تكريما لفكاره البراقة ومجهوداته الخارقة.
إن الملك المقتول كان ضعيفا، ولم يكن بوسعه الحفاظ على المملكة، وقد عجز لسنوات كثيرة
جدا على فعل أي شيء لتحرير البقاء، ولول الزبير ما فعل شيئا يذكر. من يريد أن يتحدث عن
المنطق والعقل والحق، فليخبرني بأي منطق وأي عقل وأي حق يمنح رجل ضعيف لم يفعل شيئا
كل شيء، في حين يحرم رجل جبار فعل كل شيء من كل شيء؟! الزبير هو الحق، الزبير هو
الجدر.
كانت الكلمات تناسب بعذوبة، وتقطر منها البلغة من فِي قيس، بينما رقصت قلوب الحضور
طربا بكلماته، وهم يقفون أمام الزبير وقيس بينما يحيط بالزبير النسور السوداء كالعادة. ففي تلك
الشرفة من القصر المطلة على الهواء الطلق، والتي احتوت على درج عل أرضا منخفضة، حضر
أهم أهل الكثبة الذين شاركوا في النقلب أثناء الحفل، وفي مقدمتهم سهيل.
وأكمل الرجل البليغ: ذلك الملك لم تكن عنده طموحات في التوسع في الممالك المحيطة أو في
فرض ضرائب وجزى عليهم. وبذلك لم يكن بمقدوره أن يجلب المال للناس ولخزينة الدولة. على
العكس من القائد القوي الحكيم الشجاع الزبير.
دائما ما علمنا التاريخ أن الذين ينجزون النقلبات يدعون أخطاء ونقاط ضعف فيمن سبقوهم،
حتى لو لم تكن موجودة أو واقعية؛ وذلك لتبرير النقلب أمام الشعب.
سحب قيس شهيقا عميقا، والفرح يجتاحه، ثم أكمل: والن أعلن تتويج الزبير ملكا على مملكة
البقاء بأكملها. فليتفضل قائد قبائل الكثبة سهيل بتتويج عمه الملك الزبير.
عندها تقدم مقاتل يحمل مخدة حمراء مطرزة حوافها باللون الذهبي الساحر، ويعلوها تاج ذهبي
يسحر البصار أكثر وأكثر ومرصع باللماس الثمين النادر. تقدم سهيل وأخذ التاج ثم صعد
الدرجات ببطء وجلل، ثم اقترب من عمه ووضع التاج على رأسه، وهو يقول: أعلن عمي
وسيدي ومولي الزبير ملكا على البقاء بأكملها.