laithtaher
(LAITHTAHER)
#1
ساد صمت في الحديقة، خل صوت العصافير التي زقزت هنا وهناك، وبعد مدة وضع الزبير
كفيه أحدهما فوق الخر، فوق رأس الضيغم الذي أسنده إلى الرض، وقال: ل تعلمين كم عانيت
بسببك... لقد أحببتك حبا جنونيا سيستمر أبد الدهر... كل يوم – منذ أهديتني الخنجر الذهبي –
أمسك به ليل، وأقلبه وأنظر إليه بتمعن تحت ضوء القمر... أنظر إلى القمر والنجوم وأحاول تذكر
وجهك الحسن وشخصيتك الجميلة، والهم حنانك الذي شاهدته مع زوجك الراحل... نعم، أنا
رجل، منذ كنت طفل وأنا أعاني من انعدام الحنان... أصل أهل البادية ل يعرفون ما الحنان، حتى
أمي. وزاد الطين بلة حين قتل أبي ثم جدي... كنت دوما أبحث عن الحنان الذي افتقده الزبير
الطفل... الزبير الذي يعتقد الجميع بقسوته، لكن بداخله طفل هش ضعيف ورقي زجاجي. كنتِ –
أنتِ – الحنان الذي سيعوضني عن كل شيء، لكنكِ سلبتِكِ مني، وكسرتِ قلبي، وفضلتِ أمينا
علي.
أطرق الزبير مفكرا، ثم قال: أمين! أتدرين أنا بالفعل ل أستحقك. أمين ضحى بحياته من أجلك.
لقد علم أنني سأقتله، وأنتِ علمتِ، وأنا علمتُ. وبالنهاية أنا قتلتُه... أَعْتَرِفُ بذلك، اتفقت مع ملك
الهيجاء ونفذنا تلك الخطة القذرة... أمين كان يعلم أنه سيقتل من أجلك، ولكنه أصر على القتال
حتى اللحظة الخيرة... أمر لم أكن لفعله قط.
وبالفعل اتفق الزبير مع ملك الهيجاء، على أن يوجه الخير جنودا من جنوده لقتل أمين ومن
معه، ومن ثم الدعاء أن قطاع طرق هم الذين فعلوا هذا. أما من أعدمهم ملك الهيجاء، بحجة أنهم
قاتلو أمين ومن معه، فهم سجناء سابقون كان الملك سيعدمهم على أية حال.
وبينما اعترف الزبير بجريمته، دمّعت عينا سمية، وأغمضتهما بعنف وقوة وحسرة.
ساد الصمت من جديد في الحديقة، خل صوت زقزقة العصافير، ثم – بينما بكت سمية بحرقة
وصمت – قال الزبير: هل ظننتِ أنه يمكنك هزيمتي؟! هل ظننت أن الزبير يمكن أن يهزم، ومن
امرأة؟! وأي امرأة؟! امرأة لم تعرف الحرب في حياتها، ول التفكير العميق ول المكائد، ول
الخطط التي تحاك عبر السنين!... أنا أعترف أنكِ كنتِ خصما قويا للغاية، وأعطيتِ أكثر مما
توقعتُ منكِ... لكنّ الزبير ل يهزم.
صمت ثم أكمل: أنتِ تظنين أنني ظالم... هذا أمر فيه وجهة نظر. أنا لم أوذِ أيا ممن آذيتهم من
أجل كرهي لهم أو غيرتي منهم، بل لن مصلحتي اقتضت ذلك... أنا أحببت الملك الهارب وأحببت
زوجته وابنته، لكنهم وقفوا في طريقي نحو الملك... أحببت أمينا، لكنه وقف في طريقي نحوكِ...
أحببت سليما، لكنه خانني... أحببت المغيرة لكنه وقف في طريقي نحو حورية... أحببت المير
ريانا، لكنه أصر على النتقام... والهم أحببتك أكثر من أي شيء آخر، حتى جدي... لكنكِ
دمرتِني، وفي النهاية عندما وُضعتُ بين خيار نفسي وبينكِ، اخترتُ نفسي... كل هذا فقط؛ لنني
أريد مصلحتي وليس لنني ظالم أو أكرهكم. لم تكن المسألة شخصية... السد في الغابة عندما
يلتهم فرائسه هل هو ظالم؟! لو لم يفعل ذلك، فسيعيش الغزال، لكن السد سيموت... هو يفعل ذلك
من أجل مصلحته، من أجل بقائه... وأنا فعلت كل ما فعلته من أجل مصلحتي، من أجل بقائي.