سكت لمدة، ثم أكمل: وحتى لو اتفقتُ معكِ، وأقررتُ بأنني ظالم، هل تظنين أن صاحب الحق
ينتصر دوما على الظالم؟! الحياة ل تعترف بمنطق العدل والظلم، وأن العادل يجب أن ينتصر على
الظالم... بل بمنطق القوة والضعف، وأن القوي سينتصر على الضعيف سواء أكان القوي ظالما أم
عادل، أو كان الضعيف عادل أم ظالما... وأنا انتصرت عليكِ؛ لنني القوى رغم أنني الظالم –
وفق وجهة نظرك التي قد تكون صحيحة-... هذا أمر، امرأة بمثل عمرك، يجب أن تعرفه منذ
سنوات كثيرة، وهذه حقيقة واضحة لكل الناس... كم رجل في التاريخ ظلم وعاث في الرض
فسادا، ثم ظل حيا وهو غني سعيد سليم الجسد، كثير البناء، بل إنه حتى قد يكون ملكا أو أميرا؟!
صمت ثم تابع: عندما كنتُ طفل، كنت بريئا مثلكِ، أظن أن العدل ينتصر بغض النظر من
القوي ومن الضعيف، إلى أن أتت الصفعة المدوية من القدر... عندما احتلت الهيجاء أجزاء شاسعة
من البقاء، والتقى جيش الكثبة بجيشها، أيقنت أن جدي سينتصر. فهو البطل المغوار القوي صاحب
الحق في هذه الحالة؛ فهو لم يؤذ أحدا، وكل ما أراده رد العدوان عن أهله والغدر عن البقاء من قبل
الظلمة الغدارين جيش الهيجاء... ثم شاهدته بعينيّ وهو يقتل وسط شماتة ملك الهيجاء... عندها
أدركت أن الحياة ل تعمل وفق نظم العدل والظلم، وإنما وفق نظام القوة والضعف... ومن يومها
قررت أن أكون القوى – بغض النظر ظالما أم عادل – وأن أدوس على كل من يتحداني.
في حقيقة المر، صدق الزبير؛ فهكذا كانت طريقة تفكير سمية تماما. ظنت أن العادل في جانبه
العدالة اللهية، لكنها لم تعرف أن هذه العدالة قد تتأخر للخرة. ظنت أن العادل في جانبه منطق
الحق الذي يمنحه المعنويات القوية، ويبث في نفس عدوه الخوف والرهبة، ويضمن له ضمانا
كبيرا وقوف أغلب الناس معه. إل أنها لم تعرف أن هنالك أمورا أخرى في صف الظالم؛ فالظالم
مستعد لفعل أي شيء، حتى مصافحة الشيطان، بل حتى لو اضطر أن يبايع الشيطان بالولء
والطاعة! الزبير ضحى بكل شيء، بالملك الهارب وأهله، ثم بصديقيه أمين والمغيرة، ثم بابنه
سليم، وقتل الرسول، بعد كل ما حدث لسود الوجه الحنشي، ضحى بسمعته بين الناس، ضحى
بصديقه ريان، ضحى بالبقاء نفسها وباعها لعدائها، رغم أهميتها وقدسيتها بالنسبة له. لكن الزبير
الذي ضحى يوما ما بأخيه، لم يكن ليوفر أية تضحية، حتى سمية نفسها أغلى ما على قلبه، ضحى
بها.
لم تنبس سمية طيلة الحوار ببنت شفة، ولم تنظر إلى الزبير ولو مرة واحدة.
نهض الزبير، ثم قال: وداعا، يا سمية. أنا أحبك، وسأظل أمسك خنجرك أقلبه –كفتى يافع –
وأتذكرك كل ليلة.
وبينما هم بالرحيل، قال بصوت ملؤه الحزن: وداعا.
***
))النهاية((