laithtaher
(LAITHTAHER)
#1
وعندها فارت الدماء في عروق الحاضرين من شدة الحماس، واجتاحت الفرحة قلوبهم وابتسموا
جميعا، وتنافست ابتساماتهم في مدى اتساعها، وظهرت السعادة واضحة على محيا سهيل وقيس
والحاضرين، الذين بدؤوا يهتفون بصوت عال موحد: يحيا الزبير... تحيا الكثبة... يحيا الزبير...
تحيا الكثبة...
وظلوا يكررون كل هذا.
ظل الزبير رافعا رأسه بالوضعية نفسها بكامل تفاصيلها، بينما عل التاج الساحر رأسه، وظل
على حاله هذا بينما أحاط به الهتاف. وبعد مدة التف وتوجه إلى العرش الموجود في تلك الشرفة
والمستند إلى أحد حوائط القصر وجلس عليه. فوقف على يمينه هلل وعلى شماله القرط، وأمامه
على بعد قليل وعلى الجهة اليمنى وقف بيدق. وقد أُسنِدَ رأس الضيغم إلى الكرسي، فأمسك به
الزبير وأسنده إلى الرض وهو يجلس على العرش. ومنذ ذلك اليوم ظل الزبير يمسك رأس
الضيغم في كل اجتماعاته الهامة.
وبعدها بدأ قيس ينزل علم مملكة البقاء القديم علم آل الضياغم المرفوع، المكون في معظمه من
اللون البنفسجي، والذي احتوى رأس أسد أسود في جزء منه. ثم وضع علما جديدا لم يره أحد من
قبل، هو علم ملوك الكثبة، علم الملك الزبير وآله، وبدأ يرفع به، حتى بات يرفرف عاليا. تكون
ذلك العلم في يساره من مثلث أحمر يرمز إلى لون لباس بدو الكثبة، وفي ذلك المثلث وجدت رسمة
للخنجر الذهبي الثمين الخاص بالزبير، والذي كانت له مكانة عظيمة في قلبه، والذي قتل به معظم
خصومه الهامين أثناء النقلب، هذا الخنجر الذي أوصله للمُلْكِ. وانطلق من رأس المثلث خط
فصل بين اللونين البيض في العلى والسود في السفل. أما اللون السود فرمز إلى لون لباس
فرقة الزنوج التي رأسها الزبير بنفسه، وأما اللون البيض فرمز إلى لون مشترك بين لباس بدو
الكثبة ولباس فرقة الزنوج. وأما فرقة الزنوج فمنذ ذلك اليوم بات لها علم خاص بها، احتوى رأس
نسر أبيض اللون وأحاط به اللون السود.
لم يترك الزبير وأتباعه شيئا دون التحضير له في هذه المناسبة، حتى المور التي قد تبدو ثانوية
بل ربما تافهة، كمكان حفل التتويج أو العلم الجديد، فقد أعدوا لها بإتقان ودقة ومنذ زمن بعيد،
فهؤلء البدو ليسوا على الطلق أناسا هينين بسطاء، كما اعتقد معظم الناس عنهم!
***
وبعد تنصيبه ملكا، سرعان ما أعلن الزبير في البقاء بأكملها عدة قرارات حاسمة وخطيرة. فقد
أعلن أن كل من يقتل "خائنا" –وهنا قصد الموالين للملك الراحل وآل الضياغم – فإن له ألف درهم
ذهبي. وهذا مبلغ هائل في ذلك الزمان والمكان. وأي رجل يقتل أحد أفراد آل الضياغم فله ثلثون
آلف درهم ذهبي. وعمم على الجنود الموالين له قتل أي واحد يتمكنون منه من آل الضياغم. وأعلن
رفع راتب كل جندي من جنود الجيش ثلثة أضعاف، حتى أولئك الذين لم يكونوا من الكثبة.
هذه مبالغ هائلة جدا في ذلك الزمان والمكان، لكن الزبير استعد للتضحية بكامل خزينة الدولة
من أجل تحقيق طموحاته، وسيعوض كل هذه الخسائر لحقا بطرائق خطط لها مسبقا.