laithtaher
(LAITHTAHER)
#1
خصصت لصديقه عماد. وأمضى المير طوال هذه الفترة وقته في اكتئاب أسودَ مطبق. لم ينبس
ببنت شفة طيلة الشهور الثلثة إل للضرورة القصوى، حتى ظنت زوجته هنية وعماد أنه فقد
القدرة على النطق. وأمضى طيلة الوقت إما نائما لساعات طويلة، أو مستلقيا في سريره يحدق في
الحائط لساعات طويلة، أو يجلس فوق دكة السفينة على كرسي خشبي صغير ذي ثلث سيقان
صغيرة، يحدق في المشهد نفسه، البحر الرمادي الهائل التساع الذي أحاط بهم من كل جانب وهو
يعانق السماء الزرقاء، زرقة في زرقة في كل مكان حوله، وسواد في سواد في كل مكان داخله.
خافت هنية وعماد كثيرا على المير، وتحادثا سرا بوجوب إبقاء أنظارهما عليه، خشية أن يحدث
له شيء، أو أن يؤذي نفسه، وفي كثير من الحيان راودت هنية وعماد تخيلت بأن المير فجأة
سيلقي بنفسه من على دكة السفينة إلى البحر، حتى إنهما تحادثا بذلك سرا، هذا المر الذي لم يظن
كلهما أنه سيحدث يوما ما للمير الفظ القاسي الشديد أمام المآسي!
***
بعد الرحلة السوداء الطويلة، وصلت السفينتان المملوءتان بالحزان إلى شاطئ مدينة الزهرة
البيضاء شمال البحر الرمادي، وهي عاصمة القدماء.
نزل المير ومن معه من السفينتين، وشاهدوا منظرا خلبا حيث تعانق جمال الطبيعة وصفرة
رمال الشاطئ وزرقة البحر الرمادي والسماء، مع جمال العمران حيث بنيت المدينة كلها من
الحجارة الزرقاء، في منظر خلب لم يستمتع به المير ريان، ففيه ما فيه! ونزل المير في الميناء
فشاهد كثيرا من الرجال والنساء يجيئون ويذهبون، والتجار يتنقلون في كل مكان في مشهد حيوي
نادر، وعلى الشاطئ وُجدت راية عملقة هائلة الحجم لمملكة القدماء، وقد تلونت بالزرق الداكن،
ورُسم عليها زهرة بيضاء.
وانطلق المير من هناك نحو قصر السلطان زاهي. وحالما علم السلطان بمقدمه، سارع إلى
استقباله بحفاوة في قصر الزهرة البيضاء.
كان القصر مبنيا كله باللون الزرق الذي تفاوت في دكانة وفتاحة لونه من جزء إلى آخر،
وامتل القصر بالزخارف والعمدة زرقاء اللون، أما أرضية القصر قتكونت من بلط ناعم أملس
باهظ الثمن، وكانت كل بلطة مربعة الشكل هائلة الحجم ومرسوم على كل واحدة منه زهرة
بيضاء جميلة المنظر.
وكان حراس السلطان يلبسون اللون الزرق وتعلو ثيابهم رسمة الزهرة البيضاء.
أتى السلطان ومعه زوجته السلطانة باهرة، وكان السلطان متوسط الطول قوي البنية وبرزت
عضلت صدره، وكان شعر رأسه أسود كثيف، وله شارب أسود كثيف، وكذلك غطى الشعر
السود الكثيف ذقنه. وكان عمره سبعة وأربعين عاما.
"أهل بالمير الحليف الحبيب، ريان" قال السلطان ليطمئن المير، ونجح في ذلك؛ إذ استبشر
الخير خيرا.