laithtaher
(LAITHTAHER)
#1
وبعد ساعات طويلة من كل هذا، وصل أخيرا إلى الحل وإلى الخطة المثالية التي يستحيل لها
الفشل، ووضع كل خطواتها من أصغرها إلى أكبرها بالتفصيل والتقان.
ثم عاد وجلس جلسته تلك على كرسيه ذلك، وهدأ واسترخى.
وجعل يقول بصوت منخفض: سأهزمهم... الزبير ل يهزم... لقد جنوا على أنفسهم... الزبير ل
يهزم...
قال ذلك، وعيناه مفتوحتان على أقصى اتساعهما وهما تلمعان طموحاً ورغبةً بالنتصار
والنتقام والقتصاص من الخونة الذين خانوه – على حد ظنه – بعد أن جعلهم أمراء البقاء كلها،
وبعد كل ما فعله لهم.
وظل على حاله هذا من الهدوء والجلوس والتأمل مدة طويلة.
وحالما بدأت الشمس بالشراق، عاد جميع الذين طردهم الزبير إلى القاعة الذهبية، والخوف
والرعب يجتاحان قلوبهم؛ لنهم توقعوا المزيد من الغضب والتوبيخ. وزاد خوفهم ورعبهم عندما
رأوا الزبير بهدوئه واسترخائه وهو يجلس على كرسي المُلك.
وقفوا جميعا كالولد الذين ينتظرون توبيخ والدهم، أو كالتلميذ الطفال الذين ينتظرون توبيخ
أستاذهم، وأخذوا ينظرون في الرض من شدة الخجل والعار والحزن والذل. إل أن المفاجأة حدثت
كما عود الزبير الجميع – عبر تاريخه – بالمفاجأت التي أذهلت حتى أقرب المقربين إليه.
وقف الزبير بهدوء، وبسرعة وقفت الدماء في عروقهم.
"آسف" قال الزبير بنبرة حزينة هادئة.
فتحوا عيونهم على أقصى اتساعها من هول المفاجأة، ونظروا إليه بتعجب حتى بيدق.
"أنا أعتذر لكم جميعا" قال الزبير، وأكمل: لم يجب أن أتصرف هكذا... أنتم أخطأتم لنكم
بشر... حتى أنا أخطأت لنني اطمأننت، في حين وجب علي أن أظل حذرا تجاه أمراء الثورة لخر
لحظة، وأل آمن شرورهم.
ثم نظر إلى قيس والداهية اللذين وقفا متجاورين، وأكمل خطابه: أنتم من صنعني... أنتم من نفذ
كل خططي منذ البداية... لولكم أنا ل أسوى شيئا، لولكم ما كسبت شيئا.
ثم اقترب من قيس، ووضع جبينه على جبين قيس، وقال بالنبرة الحزينة الهادئة نفسها: أنا
آسف، يا قيس. فداك كل ملكي، آسف.
فحضنه قيس وطفق يبكي، فبادله الزبير الحضان، وقال: ل تبكِ، يا قيس. نحن سننتصر... نحن
سننتصر وسنذلهم.
ثم توجه الزبير إلى الداهية وأمسكه من كتفيه، وقال: أعتذر، يا داهية الكثبة، بل داهية البقاء...
بل داهية الكون... أنت أذكى رجل قابلته في حياتي كلها.