laithtaher
(LAITHTAHER)
#1
***
توجه الداهية صحبة سليم ووجهاء قبائل كثيرة من قبائل البقاء – الذين أرسلهم – ريان، حتى
دخلوا على الزبير في كبرى قاعات قلعته الحصينة، بحضور قيس والنسور السوداء، وعدد من
كبار دولة الزبير، وحراسه وجنوده.
لقد تعمد ريان إرسال عدد من وجهاء القبائل مع سليم، حتى يصعّب على الزبير فعل المفاجأة
وقتل سليم؛ فإن كان سيفعل ما فعله أسود الوجه الحنشي مرة مع سليم، فبالتأكيد سيحسب ألف
حساب للفضيحة لو فعلها مع كل هؤلء، ل سيما مع ما يمثلونه من قبائل كثيرة وقوية ومتنوعة من
سائر أنحاء البقاء.
تقدم سليم الضعيف مهزوز الشخصية الوفد بمسافة كبيرة، وهو خجل ينظر في الرض. ثم جعل
يقلب نظره بين الزبير وحوله، وبين النظر في الرض. والتزم الصمت.
عم الصمت في القاعة لمدة طويلة، وساد فيها التوتر، ليس فحسب في من يمثلون معسكر ريان،
بل حتى في من يمثلون معسكر الزبير، فحتى قيس والداهية شعرا بتوتر شديد وترقب منهك.
ثم قال الزبير – وهو يجلس على كرسي العرش -: أهل بابني وحبيبي... كم اشتقت إليك!... لقد
كنت بانتظارك.
تنهد الزبير وحدق بحدة في سليم، ثم أكمل: لقد أيقنت أنهم سيختارونك – أنت – بالذات. فأنت
أقلهم أهمية، فهم يمثلون الشرعية والمال والقوة... أخبروك أنه يستحيل أن يُقتل رسول بعدما حدث
لسود الوجه الحنشي... "الزبير لن يقتل ابنه" هذا ما أخبروك به... وهذا صحيح؛ الزبير ل يمكن
أن يقتل ابنه مهما حدث.
فتح الزبير عينيه على أقصى اتساع، ووقف بغضب، وحدق بقوة وحدة أكبر في الشاب، الذي
ارتعب كثيرا حتى ارتعدت فرائصه، وبدأ يرتجف، وطفقت دقات قلبه وأنفاسه تتسارع.
شرع الزبير يتحرك في الساحة حركة سريعة وعنيفة مقتربا من سليم حينا، ومبتعدا عنه حينا
آخر.
وبينما هو على حاله هذا، أكمل: ابنه الذي كان نكرة ل قيمة له، ل أحد يعرفه، فارا كالرانب
الجبانة في قرية نائية خوفا على نفسه من الرجال... ابنه الذي كان يعيش أدقع درجات الفقر، وأكبر
درجات الخوف، وأقل درجات الحرية... ثم أتى أبوه الذي بعثه ال له ليعوضه عن أبيه الول،
انتشله من كل هذا، وأخذه من أدنى القاع إلى أقصى القمة... أعاد له أمجاد أبيه الول، وبنى له
مجدا في البقاء كلها، بل في الكون كله... وجعله غنيا، هو وأهله ، وأعطاهم قصرا لهم يرتعون
ويمرحون ويفرحون فيه... ومرت اليام، وبدل أن يقف البن مع أبيه – الذي فعل له كل هذا –
وقف ضده ومع أعدائه وخانه، داس على النعم التي أعطاها إياه وكفر بها جميعا، وأنكرها وطعن
أباه في ظهره... وماذا بدر من الب؟! لم يأخذ منه المال ول القصر ول آذاه ول عذبه ل هو ول
أهله، فقط احتجزه في قصر يتمنى كل الشعب أن يعيشوا في قصر يمتلك عُشْر صفاته يوما واحدا